جواب السائل المسترشد… أن الجدال مع أهل الأهواء مفسدة لا تُحمد
.*السلام عليكم ورحمة الله وبركاته* .
*ياشيخ نريد منك نصيحة لمن يشغل نفسه بالجدال مع أهل الأهواء وماعنده حصيلة علمية*
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حياكم الله أخي الفاضل
*الجواب وأسأل الله التوفيق والسداد:'*
*أقول: -*
*✦ أولًا: خطورة الانشغال بالجدال بلا علم*
من ابتُلي بالجدال مع أهل الأهواء وهو ضعيف العلم، فقد خالف وصية السلف، وأضاع عمره فيما لا ينفعه. والشبه خطّافة كما قالوا، وقد يدخل قلبه منها ما يفسد يقينه. قال ابن تيمية: "أهل الأهواء يوردون الشبهات، والقلوب الضعيفة تتأثر بها، فإذا لم يكن عند المرء علم راسخ صار الباطل عنده شبهة".
من يشغل نفسه بالجدال مع أهل الأهواء وهو قليل البضاعة من العلم فقد تعرّض لنفسه للفتنة والهلاك فإن الشبه خطافة والقلب ضعيف وأهل البدع عندهم زخرف القول فإذا دخل معهم الشاب بلا حصيلة علمية ولا رسوخ في الكتاب والسنة وقع في حيرة وربما تسرّب إلى قلبه ما يفسد دينه
وكان السلف يحذّرون من الجلوس إلى أهل الأهواء وسماع كلامهم ولو مع نية الرد لأن الرد لا يكون إلا بالعلم الراسخ وهذا لا يتأتى إلا لمن تبحّر في علوم الشريعة
*✦ ثانيًا: النصوص الدالة على لزوم النافع وترك اللغو*
1. قوله ﷺ:*«احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز»* (رواه مسلم).
وهذا أصل عظيم في أن المسلم لا ينشغل إلا بما ينفعه في دينه ودنياه. والمناظرة بلا علم ليست نفعًا بل ضررًا.
المناظرة مع أهل الأهواء تورث تعظيمًا لهم وتعطيهم مجالًا لبث الشبه وقد يحضرها ضعاف القلوب فإذا لم يجدوا عند طالب العلم ردًا حاضرًا على كل شبهة نفروا من الحق وظنوا أن الباطل أقوى ولهذا كان السلف يقولون لا تجادلوا أهل الأهواء فإنهم يلبّسون ويضلّون وقال بعضهم القلوب ضعيفة والشبه خطافة
2. قوله ﷺ:*«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»* (رواه الترمذي).
والجدال مع أهل الأهواء من أعظم ما لا يعني طالب العلم المبتدئ، إذ لا يُطلب منه ذلك.
3. قوله ﷺ:*«إن الله يكره لكم قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال»* (متفق عليه).
والجدال من جنس قيل وقال الذي يضيع الأوقات ويشغل عن طلب العلم.
4. قوله ﷺ:*«نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»* (رواه البخاري).
والفراغ لا يُعمر بالخصومات، وإنما بالعلم النافع والعمل الصالح.
*✦ ثالثًا: منهج السلف في ترك الجدال*
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل".
وقال الإمام أحمد: "أكثر ما يضر الناس الجدل والخصومات، وإنما علينا التسليم والانقياد".
وقال الحسن البصري: "لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإنهم يلبسون عليكم دينكم".
*✦ رابعًا: الطريق الصحيح لطالب العلم*
طالب العلم يشتغل أولًا بتحصيل أصول الدين القرآن والسنة وفهم السلف الصالح ثم إذا رسخ في العلم وصار عنده قدرة على رد الشبه بالأدلة حينها يبيّن الحق للناس لكن حتى في هذه المرحلة لا يكون أسلوبه المجادلة والمناظرات بل يقتصر على بيان الحق بدليله ويعرض عنه بعد البلاغ مصداقًا لقوله تعالى وجادلهم بالتي هي أحسن أي بالبيان لا بالمراء
1. أن يشتغل أولًا بالعلم الشرعي: القرآن، والحديث، وأقوال السلف.
2. أن يحفظ وقته من الضياع؛ فإن الوقت هو رأس ماله. قال ﷺ: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (رواه الحاكم وصححه).
3. إذا رسخ في العلم، حينها يبيّن الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، دون خوض في مناظرات ومراء.
*✦ خامسًا: الخطر من المجادلة أمام الناس*
إذا جادل الجاهل أهل الأهواء أمام الناس، قد يوردون عليه شبهًا لا يعرف جوابها، فيُفتن هو، وربما ظنّ الناس أن أهل البدع معهم الحق. وهذا من أعظم أسباب تحذير السلف من ذلك. فالواجب أن يبيَّن الحق للناس بهدوء ووضوح، دون إعطاء فرصة لأهل الباطل لبث سمومهم.
*✦ الخلاصة*
النصيحة لمن لا يملك علمًا أن يشتغل بالعلم النافع ويترك الجدال والخصومات ويعلم أن إقامة الحجة وبيان الحق وظيفة العلماء الراسخين أما هو فواجبُه أن يطلب العلم ويزكّي نفسه حتى يكون أهلاً لحمل السلاح في وجه أهل البدع فإذا تكلم بعد ذلك فليكن كلامه بيانًا للحق لا انغماسًا في جدل يورث الضلال.
يا طالب العلم، اجعل وقتك في تحصيل النافع، واحفظ عمرك، ولا تُدخل قلبك ميادين أهل الأهواء قبل أن يُحصّن بالعلم. فدينك رأس مالك، وأغلى ما تملك، فلا تعرّضه للشبهات. وخذ بوصية النبي ﷺ: «احرص على ما ينفعك»، فالعلم النافع والعمل الصالح هما رأس النفع، أما المراء والخصومات فسموم للأديان وقطّاع لطريق الموفقين.
✍🏻 أبو المنذر عمار الحوباني
عصر يوم الأثنين 24 /صفر / ١٤٤٧ه